١٢‏/١‏/٢٠٠٩

مجزرة غزة في عيون الصحافة البريطانية




- (أوبزرفر): الغزيون يزدادون تعاطفًا مع حماس
- (تليجراف): المجزرة كشفت عجز الصهاينة
- (صنداي): الغرب استنكر ما عدا أمريكا وبريطانيا

كتب- د. أحمد عيسى:

لم يشهد العالم في زمن السلم تجربة حرب كالتي شهدتها غزة يوم السبت 27 ديسمبر.. طائرات أمريكية من طراز (إف 16) يقودها الصهاينة المجرمون تضرب أكثف شريط سكاني ضيق على وجه الأرض وقت خروج الأطفال من المدارس، والعالم كله يشاهد، وقد امتلأت ثلاجات الموتى بالجثث، وبدأت أشلاء الضحايا وجثثهم في التكوم عند ممرات المستشفيات وخارجها في الشوارع، وفي الغرب لا يملكون إلا أن يقولوا إن هذا استخدام غير ملائم ومفرط للقوة.



لم يكن ذنب أهل غزة وحماس التي اختيرت بانتخابات حرة ونزيهة، إلا المطالبة بالحقوق المغتصبة والوقوف في وجه الظلم البيِّن لتتعرض لأعنف اعتداء صهيوني على غزة منذ حرب 1967 بالنظر إلى عدد القتلى والجرحى.



وقال وزير الدفاع الصهيوني في لقاء مع (B.B.C) "إنه من غير الواقعي إلغاء العملية العسكرية في الوقت الراهن.. هناك وقت للتهدئة ووقت للقتال، وقد حان وقت القتال"، ونقل مراسل في القدس إجماع سكان غزة على أن الغارات الجوية الصهيونية التي ضربت قطاعهم هي أسوأ ما تحمله ذاكرتهم الحية.



كيف رأت الصحافة البريطانية ما حدث:


احتلت الصفحات الأولى للصحف البريطانية تغطيات واسعة وصور مؤثرة للغارة الصهيونية، واحتشدت في داخلها بالتعليقات.



في (جارديان) كتب "إيان بلاك" مراسل الجريدة في منطقة الشرق الأوسط أن شاكوش الكيان الصهيوني ضرب غزة، وقال إن تلك الضربة قد تضعف من قدرة حماس على الهجوم، ولكنها بالتأكيد التام ستزيد شعبية وتأييد حماس من قِبل الفلسطينيين.



في (صنداي تايمز) نقرأ كيف أن أمريكا وبريطانيا خرجتا على الاجتماع الأوروبي الذي استنكر الضربات الجوية وطالب بوقفها.



هاتان الدولتان رفضتا المطالبة بوقف الغارات وأدانتا حماس واتهمتاها بأنها السبب فيما حدث، وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض ورايس وزيرة الخارجية التي قالت: "إننا ندين بقوة هجمات الصواريخ التي تشنها حماس على إسرائيل، ونُحمِّل الحركة مسئولية انهيار وقف إطلاق النار هناك، ونشدد على ضرورة تجديده والالتزام به على الفور".



واشترط المتحدث باسم البيت الأبيض جون جوندرو وقف حماس لإطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني كي يتوقف ما وصفه بالعنف في القطاع، داعيًا الكيان إلى تحييد المدنيين أثناء استهدافه حركة حماس.



وكذلك على لسان براون رئيس الوزراء البريطاني الذي أعرب عن قلقه العميق إزاء استمرار المسلحين الفلسطينيين في إطلاق الصواريخ من غزة على الكيان الصهيوني والرد الصهيوني عليها، داعيًا المسلحين الفلسطينيين إلى التوقف عن إطلاق الصواريخ والكيان الصهيوني إلى عمل كل ما بوسعه لتجنب وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين.



فشل الصهاينة


جنود صهاينة يسحبون زميلاً لهم قنصته المقاومةوفي صحيفة (صنداي تايمز) سمَّت "ماري كولفين" ما حدث بالإخفاق.. غارات غزة كشفت فشل الكيان الصهيوني، وهي تعني فشل سياسته في زحزحة حماس عن السلطة في غزة ودفع أهل القطاع إلى الانفضاض من حول حكومتها، وفي الوقت ذاته توجه اللوم إلى حماس وإلى ما تصفه تشبثًًا عنيدًا بالسلطة على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني، على حد تعبيرها.



وألمحت إلى أن الغارات لها أيضًا سبب داخلي، وهو الانتخابات العامة في فبراير 2009م.. ليفني مرشحة حزب كاديما تُتَّهم بكونها غير صلبة بشأن الدفاع، بالمقارنة بـ"نتنياهو" المتشدد الذي يسبقها في استطلاعات الرأي، وتقول إن الضربة العسكرية رد كاسح على الاستفزاز الذي تعرض له الكيان الصهيوني بعد إنهاء التهدئة، ولكنها تعتبر أن الضربة متسرعة وأغراضها انتخابية بالدرجة الأولى.




ذلك الصراع السياسي الداخلي في الكيان الصهيوني عبَّر عنه قبل يوم واحد من الغارات مراسل (جارديان) في القدس "توني أولوجلين" بمقالٍ بعنوان "أقصى اليمين الصهيوني يحقق مكاسب مع ازدياد حدة التوتر بسبب الصواريخ المنطلقة من غزة".




يقول تقرير (جارديان) إن الدعم الذي يحظى به الجناح اليميني المتطرف لحزب "إسرائيل بيتنا" آخذٌ في التوتر بين الكيان الصهيوني وحركة حماس واحتمال نشوب مواجهة كبرى بين الجيش الصهيوني ومسلحي الحركة.




ويدلِّل المراسل على ذلك بنتائج استطلاع للرأي نشرتها الصحف الصهيونية مؤخرًا، وأشارت إلى ازدياد نسبة مؤيدي الحزب المذكور، والذي يتخذ موقفًا متشددًا من حماس وقطاع غزة، ويدعو إلى ترحيل سكان البلدات والمدن ذات الأغلبية العربية من الكيان الصهيوني إلى داخل ما يمكن أن يكون دولة فلسطينية في المستقبل.




وترى (صنداي تايمز) في افتتاحيتها أن على الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما أن يتصرف بسرعة أكبر؛ لأن الأشهر الأولى من ولايته هي الفترة الزمنية التي سيحظى فيها بأكبر قدر من النفوذ، ولتهيئة الأجواء المناسبة ترى الصحيفة ضرورة وقف إطلاق النار بين الجانبين؛ فالغارة لم تكن متناسبة، لكنها كانت ردًّا على استفزاز- حسب تعبير الصحيفة- بيد أن الحصار المستمر منذ عام ونصف العام زاد سكان القطاع بؤسًا وشقاءً دون أن يأتي بنتائج دبلوماسية تُذكر.




الكيان الصهيوني مدمن للعنف


طفل فلسطيني جريح طالته يد الغدر الصهيونيةوفي صفحات الرأي يرى شون رايمنت في (تليجراف) أن الكيان الصهيوني مدمن للعنف، ويقول إن الدارس لذلك الكيان يجد أنه سبب الكثير من المعاناة خلال تاريخه القصير، ولك أن تتخيل كيف يكون رد فعل العالم إذا قامت القوات البريطانية في أفغانستان بعمل شبيه لما يحدث في غزة.



أما "ديفيد بلير" المحرر الدبلوماسي للصحيفة فيعدِّد الاختيارات المتاحة لقادة الكيان الصهيوني: إما التوغل وإعادة السيطرة الكاملة على غزة، ويستبعده للمقاومة الشديدة والخسائر الفادحة، وإما استمرار الغارات، ولكنه قال إن ذلك يضعف حماس، ولكنها ستستمر في السلطة، ولن يقضيَ تمامًا على صواريخ حماس.



ويقول إن الاختيار الثالث- وهو الأقوى- هو أن تدخل القوات الأرضية لتحتل شريطًا بينها وبين غزة يمنع وصول الصواريخ الفلسطينية، مع القيام بعمليات داخل غزة تستهدف أهدافًا معينةً مع استمرار الغارات لتضمن دمارًا كبيرًا لـ"حماس" وإرضاء الناخب الصهيوني قبل معركة الكنيست.



وتعتقد (إندبندنت أون صنداي) في افتتاحيتها أن ما حدث لا ينبغي أن يوصف برد الفعل غير المتناسب، بل بالعملية التي تأتي بنتائج عكسية، وتذكِّر الصحيفة في هذا الصدد بما حدث بعد حرب صيف 2006م عندما شنَّ الكيان الصهيوني حربًا على لبنان فكانت النتيجة أن أقبل المزيد من الشبان على الانضمام إلى حزب الله اللبناني.



ويدَّعي المقال أن الحصار المفروض على القطاع كان قد بدأ يؤتي ثماره؛ إذ بدأ الكثير من الغزاويين يُبدون بعض التبرم من حماس، ومنهم من اعتبر أن الحياة أيام الاحتلال كانت أفضل حالاًً، على حد تعبير الصحيفة البريطانية.



وتقول الصحيفة إن الصراع بين الكيان الصهيوني وفلسطينيي قطاع غزة هو صراع بين ديمقراطيتين؛ فمن الناحية الفلسطينية وصلت حماس إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع وفي انتخابات شفافة والناخب على علم بموقف الحركة الإسلامية من الكيان الصهيوني.وتلمِّح الصحيفة إلى أن الغارة الصهيونية إذا ما تلتها عملية برية ستدفع أهل غزة إلى الالتفاف أكثر حول حماس.


فشل العنف الصهيوني


صهاينة قرب أحد المواقع التي سقط فيها صاروخ فلسطيني بسديروتويتوقع مقال الافتتاحية في (أوبزرفر) فشل العنف الصهيوني ضد حماس، وأن هذا سبب كافٍ لبدء المفاوضات، وجاء فيه أن الحل الوحيد لـ"غزة" هو المفاوضات لا القوة، وأن شعب غزة يزيد تعاطفه مع حماس بسبب تلك القوة والحصار اللذين يُعتبران عقوبة جماعية، وكلا الافتتاحيتين في (تايمز) و(إندبندنت) يأملان أن يفعل أوباما شيئًا ليكسر دائرة العنف.

نرى عكس ذلك حينما لا يأمل "فيسك" كثيرًا في أي دور لـ"أوباما"؛ حيث يقتطف الجملة الوحيدة التي ذكرها الرئيس عن الصراع جاءت في حديث موسع لـ"أوباما" في مجلة (تايم) الأمريكية: "ومن خلال رؤيتنا فيما يمكننا البناء على بعض التقدم الذي تم إحرازه في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على الأقل عبر النقاش يمكننا القول إن ذلك سيشكل أولوية بالنسبة لنا".



ويحلِّل فيسك في (إندبندنت) كلمات أوباما بالاستغراب والاستهجان؛ حيث يتساءل: "تُرَى عَمَّ يتكلم هذا الرجل؟ البناء على التقدم؟ وأي تقدم؟"، ويمضي فيسك مع الوقوف على شفير حرب أهلية أخرى بين حماس والسلطة الفلسطينية وبزوغ نجم بنيامين نتنياهو كمنافسٍ على منصب رئيس الوزراء الصهيوني ومواصلة الجدار الصهيوني الضخم والفظيع والمستوطنات اليهودية التهام المزيد من الأرض العربية، واستمرار الفلسطينيين في إطلاق الصواريخ على سديروت: "هل ما زال أوباما يعتقد أن ثمة تقدمًا يمكن البناء عليه؟".



ولا ينسى فيسك أيضًا أن يعرِّج على قصص الفشل الأخرى التي سطَّرها زعماء آخرون في سعيهم إلى تحقيق تقدم يذكر في إيجاد حل لأزمة الشرق الأوسط، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق كلينتون، والرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني السابق بلير.



وقد دعت الرابطة الإسلامية في بريطانيا إلى التظاهر من أجل وقف مذبحة غزة أمام السفارة الصهيونية بلندن.



وقد أدان المجلس الإسلامي البريطاني (MCB) بأشد العبارات الحملة العسكرية الصهيونية في قطاع غزة المحاصر، وقال في بيانٍ صحفي على موقعه إنه قد روَّعه هذا الاستخدام المفرط والعشوائي لإرهاب الدولة، وذكر قرار الكيان الصهيوني البدء في الهجوم الذي وقع في وقتٍ مبكرٍ من بعد ظهر السبت الماضي 27 ديسمبر، بينما كان الأطفال يغادرون مدارسهم؛ مما تسبب في أكبر عدد من الخسائر البشرية.



وطبقًا لأي مقياس لاحترام للحياة البشرية البريئة فهذا أمر غير مقبول، وقال الدكتور داود عبد الله نائب الأمين العام: "إننا ندعو رئيس الوزراء إلى اتخاذ موقف حازم ضد هذا الهجوم الشائن.. لقد حان الوقت لإنهاء التغطية السياسية والدبلوماسية التي سمحت للكيان الصهيوني بارتكاب هذه الفظائع".



إف 16ومضى البيان بقوله: "إن استخدام الكيان الصهيوني طائرات (إف 16) ضد أهداف مدنية في قطاع غزة يؤكد مرةً أخرى فشل حكومتنا في الوفاء بالتزاماتنا الدولية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لإنهاء الاحتلال الصهيوني، وبعد فشل حصارها للقطاع لجأت القيادة الصهيونية إلى هذه الإجراءات اليائسة لتغيير الوقائع السياسية في قطاع غزة.. إن العدوان يأتي بعد أيام فقط من منع دخول المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي إشارة إلى نية القيادة الصهيونية إخفاء الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبتها".



لقد استدعى الكيان الصهيوني الآلاف من قوات الاحتياط، وكشَّر عن أنياب الحقد في توسيع نطاق العملية العسكرية التي يشنها على أهلنا العُزَّل في قطاع غزة، وبالقطع لن يستجيب لدعوة مجلس الأمن الدولي التي طالبت بالوقف الفوري لكل أعمال العنف في غزة.



وبالنظر إلى الصحف البريطانية فهناك دوامة عنف، ولكن هناك إجماعًا من الصحف على فشل الكيان الصهيوني، وأن أي خيار هو في الحقيقة تقوية لحماس، وترى أن الدولة الوحيدة التي يسمع لها الكيان الصهيوني هي أمريكا، ومن هذا وضعت بعض الصحف أهمية كبيرة لدور أوباما حين يبدأ، وقد تجاهلت الصحف أي دور رسمي عربي، ولعل لها حقًّا في ذلك؛ نظرًا لكونها أصوات شجب ليس لها صدى، والأمل في الشعوب التي فاضت دموعها ألمًا وتتمنَّى أن يُسمَح لها أن تريق دمها نصرة للحق.


----------


* منقول (المجتمع)

ليست هناك تعليقات: