١٦‏/١٠‏/٢٠٠٧




عجائب العرب العشر


من كان يتصور أن البترول نعمة الله علينا‏..‏ وهذه الثروة التي نبتت بالخير تحت أقدامنا سوف تضيع بهذه الصورة القاسية؟‏
لا أحد يعلم حجم عائدات البترول في الدول العربية خلال نصف قرن من الزمان ولكن الرقم كبير جدًا..‏ ومخيف جدًا‏..‏ وإذا بحثت أو تساءلت أين ضاعت هذه الثروة فسوف تجد كوارث كثيرة تسللت إليها.‏

ضاعت في حروب لا جدوى منها‏..‏ وضاعت في صفقات لا عائد من ورائها‏..‏ وضاعت في النوادي الليلية وبيوت الدعارة وأوكار الشمامين والسكارى في عواصم العالم‏..‏ وضاعت على أجهزة القمع واستلاب حريات الشعوب‏..‏ وضاعت في البنوك الأجنبية التي تحولت إلى خزائن لنهب المال العام‏..‏ ونحاول أن تبحث الآن ونتساءل ماذا بقي من أموال النفط‏..‏ وتكتشف أنه لم يبقى شيء غير مجموعة من الطرق‏..‏ والمواصلات‏..‏ والمدارس التي يتخرج فيها الجهلاء.. والجامعات التي ترعى الأمية.‏
وما بين حروب خاسرة‏..‏ وأجهزة قمع شرسة‏..‏ وحسابات سرية ضاعت أكبر فرصة للتحضر والتقدم والنمو البشري في تاريخ الإنسان العربي‏.‏


*******


‏من يصدق أنه لا توجد دولة عربية واحدة غير مدينة؟‏..‏ ابتداءاً من ديون الحكومات العربية التي لا تدفع حصتها لجامعة الدول العربية وانتهاءً بديون مستحقة للدول والمؤسسات المالية‏..‏ والبنك الدولي وصندق النقد.‏
كل العرب مدينون‏..‏ ومدانون‏..‏ ولو أاننا حسبنا دخل كل مواطن عربي من أموال البترول لكان كافيًا لأن ينفق عليه مائة عام قادمة‏..‏ ولو أننا حسبنا كم من الدين على كل مواطن عربي الآن لاكتشفنا أننا نحتاج الي مائة عام قادمة لسداد ديون العرب‏..‏ وهذا يعني أننا أضعنا مائتي عام من مستقبل هذه الأمة.


*******


‏من يصدق أن في العالم العربي الآن أكثر من حرب أهلية حتي وإن كان بعضها لم يستخدم السلاح بعد؟‏
هناك دول قديمة بدأت رحلتها مع الموت مبكرًا مثل الصومال‏..‏ وهناك دول التأمت جراحها قليلاً مثل لبنان‏..‏ وهناك دول مازالت تنزف مثل السودان‏..‏ وهناك دول لم تستطع أن توقف نزيفها مثل الجزائر وهناك كارثة أخرى حلت بنا أخيرًا وهي معارك الفصائل الفلسطينية مع بعضها بعضًا‏..‏ وفي السعودية مواجهات دامية‏..‏ وفي اليمن حرب أهلية.‏
هذه هي أحوال العالم العربي الآن حيث عادت أشباح الصراعات والخلافات والانقسامات تهدد مستقبل هذه الأمة‏..‏
في جنوب السودان لم تهدأ الأحوال إلا قليلاً حتى اشتعلت مأساة دارفور‏..‏ والقوات الأجنبية جاهزة على الحدود‏..‏ وفي المطارات‏..‏ إن قوات فرنسا في تشاد‏..‏ وانجلترا تستعد للعودة الى منابع النيل وأمريكا تريد أن تكون في كل مكان‏..‏ وإسرائيل تراقب من بعيد‏ تساقط الجياد واحدًا بعد الآخر‏..‏ ويسأل الانسان نفسه وسط هذا الدمار من يعيد لهذه الأمة مصادر قوتها حتى تواجه الطوفان‏.‏


*******


‏من يصدق برغم كل ما في هذه الأمة من ثروات أنها مازالت حتى الآن تتصدر قوائم الدول الأكثر أمية‏..‏ والأكثر بطالة‏..‏ والأكثر فقرًا‏..‏ والأكثر تصحرًا‏..‏ والاقل في مستوى التعليم والقراءة؟‏..‏ وهذه الدول هي أغنى دول العالم في الموارد وأفقرها في حياة الشعوب‏..‏ لم تستطع دولة عربية واحدة أن تواجه مشكلة الأمية وتقضي عليها‏..‏ ولم تستطع دولة عربية واحدة أن تقول أنها انتهت من أزمة البطالة‏..‏ أو أوجدت فرص عمل لشبابها الحائر‏..‏ قد تختلف النسب بين دولة وأخرى ولكن الكل شريك في المأساة‏.‏


*******


‏من يصدق أن في كل العواصم العربية الآن طابورًا خامسًا يرحب بعودة الاستعمار ويتباكى على أيامه الخوالي ويفتح له القلوب والبيوت والأفئدة؟‏


مئات الأقلام المأجورة تكتب كل يوم وهي تدافع عن المحتل القادم سواء حمل شعارات العولمة وحقوق الإنسان والمرأة المظلومة أو دخل بالدبابات واحتل الأرض واغتصب النساء ونهب الموارد‏.

من زمان مضى ماتت الشعوب في سبيل استقلال إرادتها وترابها الوطني‏..‏ والآن تحتفل الشعوب بعودة جلاديها‏..‏ والغريب أن المواطن العربي لا يكتفي بجلاد واحد ولكنه اختار لنفسه جلادًا مقيمًا‏..‏ وجلادًا محتلاً‏.‏


*******


‏من كان يصدق أن الشعوب العربية التي خرجت للشوارع يومًا تحتفل باستقلالها وتحرير أرضها من المستعمر المحتل لا تستطيع الآن أن تخرج في نفس الشوارع لتطالب بحريتها في أن تبدي رأيها أو تعلن رفضها لأي شيء؟
منذ أكثر من عام لم تخرج مظاهرة في عاصمة عربية تندد بالاحتلال الأمريكي للعراق‏..‏ أو بانتهاك حرمة النساء في أبوغريب‏‏ أو بإقامة الجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يموت على أرضه كل يوم أمام عدو غاشم وأداة قهر ظالمة‏.‏ وها هي القوات الأجنبية تتجه الآن إلى دارفور في السودان‏.
والغريب في الأمر أن نتصور أن القوات الأجنبية هي التي تحمي عروشنا‏..‏ والدبابات الأمريكية هي التي ستعيد حرياتنا‏..‏ وهذا كله يؤكد حالة الضياع التي تعيشها شعوب هذه الأمة والأفكار المشوهة التي تسكن عقولها فأفقدتها البصر والبصيرة‏.‏


*******


‏ما بين أحلامنا التي رسمناها على ضفاف سنوات العمر‏..‏ وما بين الواقع الذي نراه الآن كالأشباح فوق رؤوسنا مرت عشرات الوجوه البعض منها مازال شاخصًا أمامنا لم يتغير‏..‏ والبعض الآخر استنسخته الأقدار فظهر أمامنا في صور لا تغيب لحظة عن عيوننا‏..‏ وما بين الشخوص والاستنساخ لم نر شيئًا جديدًا لأن الوجوه التي طاردت سنوات عمرنا مازالت تصر على أن تسرق البقية الباقية فيه‏..‏ وليست لنا حيلة‏.‏


*******


أعرف أنني كتبت هذا الكلام قبل ذلك في أكثر من صورة‏..‏ وأعلم أن ما كتبته اليوم لن يغير شيئًا‏..‏ وأعلم أن هذا الحبر الذي ينزف من شرايين العمر لا يعني أحدًا‏..‏ فلا أحد طلب منا أن نكتب‏..‏ ولا أحد أمرنا أن نسكت‏..‏ ولكننا للأسف الشديد اكتشفنا بعد أن رحل العمر وتسربت سنواته أننا نحرث في البحر‏..‏.